قضية التقاعد في البحرين في سياقها الإقليمي والدولي – الجزء الأول

قضية التقاعد في البحرين في سياقها الإقليمي والدولي – الجزء الأول

 مزايا التقاعد الموعودة بدول الخليج سخية جدا ولا تتطابق مع معدلات المساهمة وسن التقاعد

تقاعدنا المبكر نعيم الجنة في الحياة الدنيا أو ضرب من أضراب السيرالية الإقتصادية

نظام التقاعد صمم ماليا لعشر سنوات تقاعدية والناس تعيش 30 و40 عاما حاليا في التقاعد

تقديرات العجز الإكتواري في مختلف مناطق العالم تشير إلى فجوة تمويل تقترب من اللانهائية الاقتصادية 

الإنفاق على التقاعد بات يزاحم الإنفاق على الخدمات الحيوية للمجتمع مثل الصحة والتعليم والإسكان

إضطرت بعض الحكومات إلى الإقتراض لدفع التزامات المعاشات التقاعدية

الدول التي وصلت إلى نظام تقاعدي مريح ومتزن ومستدام للثلاثين أو الأربعين سنة القادمة قليل جدا

الإنفاق الإجمالي على التقاعد في معظم الدول 10% من الموازنة العامة لمصروفات الدولة

نفتقر في بلداننا العربية وبشكل كبير إلى الإعلام التقاعدي والثقافة الاساسية حول التقاعد

 التقاعد وإستدامته وعدالته يكون مبتسرا إذا لم نضع في الحسبان سوق العمل وشبكة الأمان الإجتماعي

ضرورة احداث إصلاحات عميقة وعصرية لقطاع تقاعدي يعزز الأمان الإجتماعي وينهض بالإقتصاد

تحول الحكومة من الدور التشغيلي إلى الدور التنظيمي ضمن الإصلاحات لإجتذاب القطاع الخاص،

 نأمل أن تكون خدمات التقاعد من القطاعات المخصخصة جزئيا في المستقبل القريب وضمن الاصلاحات

لاهمية موضوع التقاعد في البحرين وتداعياته، ونظرا للاستفسارت المتعددة حول موضوع، أجرت صحيفة "دلمون بوست" هذا اللقاء مع السيد ابراهيم خليل ابراهيم، ونعيد نشر اللقاء كاملا .

في لقاء مطول مع أحد القياديين البحرينيين في صناعة التقاعد الخاص إبراهيم خليل إبراهيم، رئيس مدراء تطوير الأعمال الحكومية والإعلام بشركة تقاعد، ومؤسس الإتحاد العربي للإدخار والتقاعد (تحت التأسيس)، ورئيس المؤتمر السنوي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا للتقاعد الذي يقام سنويا في مملكة البحرين وأحد المتحدثين في مؤتمرات التقاعد الإقليمية والدولية ، تحدث واضعا الشأن التقاعدي البحريني في سياقة الإقليمي والدولي من خلال هذا الحوار .

—  في بداية حوارنا معه سألناه، كيف وصلنا إلى هذا المنعطف في نظامنا التقاعدي؟

—– هناك قائمة طويلة من الأسباب المتراكمة التي أدت إلى ظهور المشاكل في نظامنا التقاعدي وجعلت منها مسألة معقدة، لكن أهم تلك الأسباب ما يلي:

أولا: طبيعة تصميم النظام التقاعدي المتبع في مملكة البحرين حتى الآن (وهو نظام المزايا المحددة) وبلوغ هذا النظام المراحل الأولى من نضجه (maturity stage) ومن ثم إنكشاف العديد من عيوبه والتي لا تظهر عادة في المراحل الأولى (أي خلال فترة تجميع الإشتراكات وقلة الافراد المتقاعدين من هذا النظام). وقبل الإسترسال في الموضوع، أود أن أشرح موجزا أن هذا النمط من النظام التقاعدي يعد أو يضمن فيه المتكفل بالنظام (أي الحكومة في حالتنا) بدفع راتب تقاعد محدد، أو مكآفأة (أو الإثنين) تكون محددًة مسبقًا من خلال معادلة حسابية تعتمد مباشرة على مدة الخدمة وعمر المتقاعد ومستوى راتبه لاسيما في السنوات الأخيرة، بدلا من الاعتماد على عوائد الاستثمار الفردية للمشترك في النظام.

ثانيا: التحديات المالية التي تواجهها المملكة (وكذلك شقيقاتها في مجلس التعاون الخليجي)على صعيد الموازنة العامة والإيرادات، خاصة بعد أزمة أسعار النفط منذ العام 2014، إذ يرتبط العامل المشار إليه أعلاه (أي طبيعة النظام التقاعدي) على التمويل المباشر من الموازنة السنوية للبلاد ولو بشكل جزئي.

ثالثا: التأخر أو التردد كثيرا لدى الجهات المعنية بملف التقاعد لسنين طويلة (حتى من قبل إلحاق هيئة التأمينات الإجتماعية تحت مظلة وزارة المالية) في إجراء أو إقتراح إصلاحات في معايير النظام القائم (من

أجل إستدامته) أو إعادة هيكلة القطاع بما يواكب نظم التقاعد الحديثة في الدول المتقدمة، وسوف نقوم بالإشارة اليها لاحقا.

وقد تعزى أسباب التأخر في الإقدام على هذه الإصلاحات إلى السيولة الجيدة نسبيا التي كانت متوفرة في موازنة الحكومة إذ تراوح سعر برميل النفط من العام 2008 والى ما قبل أزمة الاسعار الأخيرة بين 150 إلى 100 دولار الأمر الذي خلق فائضا ملحوظا في الموازنات الخليجية التي تعتمد على النفط. ومن الأسباب أيضا أن السياسيين يقرأون العجز الإكتواري على أنه مشكلة بعيدة المدى جدا وليست ضمن الأولويات التي ينبغي التركيز عليها في الحاضر. بالإضافة لذلك، أعتقد أن الظروف السياسية والإجتماعية في البلاد ومنذ منتصف التسعينيات لم تكن مؤاتية لطرح موضوع حساس مثل التقاعد الذي يهم جميع فئات وقطاعات المجتمع. والسبب الأخير، أنه على المستوى الخليجي على الأقل، لم يكن هناك بعد أي حراك لإصلاح أنظمة التقاعد بالتحديد، بل أن ثلاث دول خليجية كانت للتو قد باشرت في تأسيس هيئات التأمين الإجتماعي لديها، وكانت المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين ودولة الكويت من السباقين في حقل الحماية الإجتماعية والضمان الإجتماعي، كما يوضح الجدول الآتي:

البلد سنة تأسيس هيئة الضمان الإجتماعي
المملكة العربية السعودية 1969
مملكة البحرين 1975
الكويت 1976
سلطنة عمان 1992
الإمارات العربية المتحدة 1999
قطر 2002

—  ما هو أساس المشكلة في رأيك؟

—– في وجهة نظري، هما نقطتان مترابطتان إلى حد ما: الأولى تتعلق بطبيعة تصميم نظام التقاعد القائم، والثانية هي حجم الوعد التقاعدي “promise” أو ما يسميه البعض “الحقوق والمكتسبات التقاعدية”.

إن نظام التقاعد الحالي وهو الأقدم والمطبق حكوميا في جميع بلدان العالم بمستوى أو بآخر، يعود تاريخ تصميمه إلى أوآخر القرن التاسع عشر الميلادي على يد رئيس وزراء ووزير مالية الإمبراطورية الألمانية السيد اوتو فان بيسمارك، والذي ركز خلال عهده على تقوية دور الدولة في توفير وضمان الرفاه للمواطنين، بما في ذلك خدمات التأمين وإعادة التأمين على الأمراض والحوادث واصدر عددا من قوانين الخدمات الإجتماعية. وكان نظام التقاعد الذي أسسه بيسمارك يعمل على أساس تضامني بين الأجيال، بحيث يمول المشتركون الذين يعملون حاليا أجور من هم في مرحلة التقاعد، على أمل أنهم إذا تقاعدوا سوف يأتي الجيل الأصغر منهم سنا من العاملين الذين سوف يمولون أجورهم التقاعدية وهكذا دواليك بين الأجيال المتعاقبة.  وكان بيسمارك يهدف إلى تحقيق الكفاءة الإقتصادية لبلاده وكذلك إبعاد أية بدائل إشتراكية لا ترغب فيها ألمانيا.

لتدير نظاما تقاعديا بهذا النمط، تكمن مسؤليتك الكبرى في تحقيق التوازن المستمر وعبر السنين بين الأصول (الموجودات) والإلتزامات، وبمستوى آخر التوازن بين مايمكن تحمله إقتصاديا (affordability) وبين مبدأ إستدامة صندوق التقاعد نفسه (sustainability). لذا فإنك لا تكاد تقرأ أو تستمع لأحدهم عن شئوون التقاعد إلا وتأتي المسألة الإكتوارية في السياق نفسه، والتي يقتضي عملها تحليلا تفصيليا للإلتزامات (liability profiling) من حيث التحليل العمري للمشتركين ومستوى أجورهم الحالية والمتوقعة للمستقبل، التاريخ المتوقع لخروجهم للتقاعد، عدد السنين المتوقعة لبقائهم في التقاعد، ونسبة التضخم ونسبة عوائد الإستثمار المتوقعة وغيرها من العوامل المؤثرة على مستويات التدفق النقدي لصندوق التقاعد خلال السنوات القادمة.

من الناحية الفنية وعلى مستوى الأفراد المشتركين، يكمن جوهر المشكلة في أنه حسابيا لا يوجد ارتباط اقتصادي أو تناسق كمي بين ما يدفعه المشتركون في نظام التقاعد الحالي خلال سنوات عملهم ومجموع ما يحصلون عليه خلال حياتهم التقاعدية. بمعنى آخر، لا توجد علاقة مباشرة بين مساهمتهم ومجموع المزايا التي ينتفعون بها، أي لا علاقة بين الجهد والمكافأة حسابيا. كما أن نسبة كبيرة من المشتركين يتقاعدون ولم يراكموا بعد ما فيه الكفاية لتقاضي راتب تقاعدي يمتد لعشرات السنين! إن أية حسبة سريعة لأي فرد متقاعد أمضى خمس أو عشر أو عشرين أو ثلاثين سنة في التقاعد ستكشف له أنه تقاضى من 5 إلى 10 أضعاف مجموع ما ساهم به شخصيا لنظام التقاعد طيلة فترة عمله. إذن من يدفع هذه الفروقات بين مساهمة المشترك ومجموع المزايا التي يحصل عليها؟ وهنا مكمن الخلل الذي تنشأ عنه العجوزات الإكتوارية والتي تضطر الحكومات في نهاية المطاف إلى تمويلها من موازنتها السنوية بنظام التمويل (pay as you go).

المعروف في القوانين الطبيعية للحياة أن مكافأة الفرد تكون على قدر جهده “ومن زرع حصد”، إلا أن نظام التقاعد الحالي (ذو المزايا المحددة والممول حكوميا ولو بشكل جزئي وهو نظام عالمي كما أسلفنا) هو نقيض لتلك القوانين الطبيعية، وهو يدفع المشتركين سلوكيا لتعظيم المنافع التي يحصلون عليها بكل الطرق الممكنة لدفع أقل إشتراكات ولأقل فترة ممكنة والإستفادة من أعلى الأجور التقاعدية ولأطول فترة ممكنة (كما أن الموضوع لا يخلو أحيانا من محاولة البعض القليل من الإحتيال على النظام وتقديم معلومات مضخمة حول رواتبهم خاصة في القطاع الخاص والمؤسسات المتوسطة والصغيرة). وإن نظاما كهذا لا شك أنه يحمل بذور تدمير نفسه بنفسه. وليس مبالغة القول، اذا تأملنا، بأن نظام تقاعدنا الحالي، لاسيما التقاعد المبكر، هو شيء من نعيم الجنة ولكن في الحياة الدنيا أو ضرب من أضراب السيرالية الإقتصادية، إذ بمجرد أن يعمل الشخص 15 أو 20 أو 25 عاما ثم يتقاعد، يحصل بعد ذلك على راتب تقاعد مضمون بإستمرار لثلاثين أو أربعين أو حتى لخمسين سنة، ويرتفع ذلك الراتب بنسبة 3% في كل عام! لذلك فإن فاتورة التقاعد على موازنة أية حكومة هي عالية جدا، وأن نظاما كهذا من الطبيعي أن يكون غير مستدام.

لذلك، فبعد عقود قليلة جدا من النجاح الظاهري لتطبيق هذا النظام، بدت العديد من مساوءه تتجلى وكذلك التحديات التي يفرضها وأهمها العجوزات المالية. لذا فإن عددا من البلدان قامت مع نهاية العقد الثامن من القرن الماضي بإدخال أنماط أخرى على البنية التحية للتقاعد. أما منطقتنا العربية فقد تأخرت في تجديد هيكلة القطاع التقاعدي، لكن لا يعني ذلك أن الحماية الإجتماعية التي كانت ومازالت تقدمها دولنا لم تكن ضمن الأفضل على الصعيد العالمي.

أما بالنسبة للنقطة الثانية لسبب المشكلة، فإنها تتمثل في أن المزايا الموعودة عندنا في الدول الخليجية سخية جدا (بالقياسات العالمية) ولا تتطابق مع معدلات المساهمة وسن التقاعد المسموح به حاليا. ومن ثم، فإن تسيير هذا النظام وتسديد أية عجوزات ناتجة عنه يعتمد على الميزانية العامة للدولة، مما جعل الحكومة ممثلة في الهيئة تسعى لتعديل قانون التقاعد بما يتيح لها مراجعة حزمة المزايا ومعايير إستحقاقها بهدف تقليل عبئها على خزانة الدولة.

—  إذا كان نظام التقاعد المطبق لدينا يحمل مثل هذه العيوب، إذن لماذا تبنته هيئة التأمينات الإجتماعية؟

—– هذا سؤال جيد في الحقيقة. خلال قرن كامل من الزمن، وبالتحديد من العقد الأخير للقرن التاسع عشر وحتى العقد الثامن من القرن العشرين، كان نظام المزايا المحددة هو النموذج الأول والسائد عالميا والتي تبنته حكومات الدول الغربية تلتها دول شرق آسيا وكبرى الشركات الوطنية والشركات متعددة الجنسيات التي أدخلت مزايا التقاعد ضمن مزاياها الجاذبة للموظفين. حينها كان يرى أن هذا النظام هو الأمثل لتحقيق حماية إجتماعية للمواطنين والموظفين بشكل تضامني، على نحو مستدام وبتمويل ذاتي لأموال الصندوق، دون الحاجة للتمويل من قبل الحكومة. وقد حدد سن التقاعد حين طرحه عند الـ 70 عاما وذلك لأنه تقاعد شيخوخة (old age pension)، إلا أنهم عادوا بعد ثلاثة عقود وخفضوه إلى 65 عاما.

في الواقع وكما يبدو جليا أعلاه، فإن ذلك النظام قد صمم ليتقاعد فيه الموظف في سن الـ 70 عاما أو 65 عاما، ليعيش بعدها عشر سنوات كحد أقصى وبعدها يتوفاه الله. ولكن حدث ما لم يكن في حسبان بيسمارك والإقتصاديين في تلك الفترة!

فمنذ منتصف القرن العشرين، وبسبب الإنجازات التنموية على الأصعدة كافة في كثير من مناطق العالم، لاسيما الإقتصادية والإجتماعية والطبية وتحسن التغدية ودعم المواد الغدائية في كثير من البلدان والوعي الصحي وممارسة مختلف الرياضات على نطاق واسع، أخذ متوسط العمر المتوقع للإنسان يتزايد بسرعة. في المتوسط، ومنذ تلك الفترة يزيد عمر الإنسان المتوقع سنة واحدة خلال كل خمس سنوات. بمعنى آخر، يمكن لأطفالنا الذين يولدون هذا العام أن يتوقعوا العيش لما يزيد عن 100 سنة، أو بعبارة أخرى، سيعيشون لرؤية العام 2118. وفي حين أن أخبارا كهذه تكون رائعة للصحة والتمتع بالحياة والإنتاجية الفردية والمجتمعية، إلا أنها تمثل كارثة مالية على صناديق التقاعد. في العديد من البلدان، يمكن أن يبدأ التقاعد عند 60 سنة، وفي دول مجلس التعاون الخليجي يستطيع الموظف أن يختار التقاعد المبكر بعد 15 و 20 سنة من العمل للنساء والرجال على التوالي. وهذا يمكن أن يؤدي إلى تقاضي المتقاعد لراتب تقاعدي يمتد من 30 إلى 50 سنة تماشيا مع تحسن متوسط العمر المتوقع. وبالتالي، فإن السؤال الكبير الذي يتعين علينا الإجابة عليه هو: كيف يمكننا إعادة النظر في/ أو تمويل نظامنا التقاعدي الذي صمم في الأصل لدعم تقاعد 10 سنوات كحد أقصى في القرن التاسع عشر؟

الأمر الآخر وفي السياق نفسه، إن تحسن الوضع التعليمي والثقافي لدى المجتمعات وخروج المرأة للعمل أدى إلى إنخفاض مستوى الإنجاب (fertility) عالميا وبشكل متسارع، وهو اليوم أشد وطأة على المجتمعات الغربية والآسيوية منها على المجتمعات الإسلامية. إن إنخفاض معدل الخصوبة / الإنجاب يؤدي بشكل مباشر إلى إنخفاض حجم القوة العاملة في سوق العمل، أي عدد المشتركين في صناديق التقاعد الذين بدورهم يمولون رواتب من هم متقاعدين حاليا. وتعد نسبة الإعتماد (dependency ratio)، أي النسبة بين من هم لازالوا يعملون ويسددون الإشتراكات في صندق التقاعد وبين المتقاعدين الذين يتسلمون الأجور من الصندوق نفسه، من أهم المؤشرات على عافية أي صندوق تقاعدي. وبالنسبة لنا في البحرين، إذا نظرت إلى الإحصاءات فإننا نقترب من نسبة 1:2، بمعنى أن كل إثنين من مشتركي صندوق التقاعد يدعمون أجر واحد

من المتقاعدين، إذا ما جمعنا عدد المتقاعدين (pensioners) ومستحقي المزايا عن المتقاعدين المتوفين (beneficiaries of survivor benefits) في خانة واحدة، وهي نسبة مقلقة.

—  هل كان بإمكان الهيئة إدارة صناديق التقاعد عبر السنين بشكل أفضل لتفادي المشكلة التي نحن بصددها اليوم؟

—– إذا كنا نتحدث عن مشكلة العجز الإكتواري وتراكمه، ففي تقديري أن هذه المشكلة وبنسبة 80% على الأقل هي أكبر من قدرة الهيئة ولم يكن بإستطاعتها معالجتها، لأنها مشكلة عالمية من صميم هيكلة النظام وأيضا نتجية تحولات ديموغرافية عالمية (أقصد الإرتفاع المتزايد في متوسط طول العمر وإنخفاض نسبة الإنجاب) والتي لم يقتصر تأثيرها على صناديق التقاعد بل حتى على موازنات خدمات الرعاية الأخرى مثل الخدمات الصحية لاسيما المتعلقة بالشيخوخة، والعناية بالمسنين ومساعدات التنمية الإجتماعية.  لكن بإعتقادي أن هيئات التقاعد بدول مجلس التعاون كان بمقدارها إبطاء نمو العجز الإكتواري من خلال رفع سن التقاعد (على الأقل التقاعد المبكر) وتخفيض معامل نسبة الإستحقاق (accrual rate) والذي يحتسب على أساسه الراتب التقاعدي، إذ يعتبران حاليا ميزتان متميزتان مقارنة بالمنافع التقاعدية التي تقدمها مختلف دول العالم. فهذان معياران ليسا من صميم هيكلة النظام ويمكن التحكم بهما حسب مزاج الإقتصاد السياسي  والقدرة المالية لكل دولة. وفي وجهة نظري أن دول المجلس أرادت أن توفر لمواطنيها هذه المزايا الإجتماعية ضمن السياق العام لتحقيق دولة الرفاه والرعاية الإجتماعية الكاملة والتي كانت مدعومة بوفرة مالية جيدة نتيجة مداخيل النفط. أما وأن الإيرادات النفطية في تراجع في السنوات الأخيرة فقد تلجأ هيئات التأمينات الإجتماعية إلى تخفيض هذه المنافع من أجل إعادة موازنة الإلتزامات المالية للصناديق.

—  ما هو الحجم الحقيقي للمشكلة في الوقت الراهن؟

—– ان المشكلة الرئيسية والوحيدة لنا في مملكة البحرين وربما لأكثر من 95% من دول العالم هي تمويل العجوزات الإكتوارية في أنظمة التقاعد (funding level). إذا نظرت إلى الأرقام وتقديرات العجز في مختلف مناطق العالم بما فيها الدول المتقدمة ومجموعة العشرين (G20)، سترى إن فجوة التمويل هذه تقترب عمليا من اللانهائية الاقتصادية ومن الصعب جدا تغطيتها. ولأنها تؤثر مباشرة على المنافع الاجتماعية والحقوق الحيوية للمجتمعات، فقد وصفها الاقتصاديون والمعلقون السياسيون في السنوات الأخيرة بأنها “قنبلة اجتماعية موقوتة”.

إذ من المتوقع أن تصل عجوزات أكبر ستة أنظمة للمعاشات التقاعدية في العالم – الولايات المتحدة والمملكة المتحدة واليابان وهولندا وكندا وأستراليا إلى 224 تريليون دولار في عام 2050. وإذا أضفنا لهما الصين والهند، اللتين تملكان أكبر عدد من السكان في العالم، فإن فجوة المدخرات التقاعدية مجتمعة للدول الثمان تصل إلى ما مجموعه 400 تريليون دولار بحلول عام 2050، أي ما يعادل خمسة أضعاف حجم الاقتصاد العالمي الحالي.

وتسجل أكبر 20 بلداً من بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD وحدها عجزا قدره 78 تريليون دولار أمريكي في تمويل التزامات صناديق التقاعد ذات المزايا المحددة، وهو يعادل حوالي 1.8 مرة قيمة الدين الوطني لهذه البلدان مجتمعين.

هنا في دول مجلس التعاون الخليجي، تبلغ الفجوة التمويلية الإجمالية (إكتواريا) في أنظمة التقاعد العامة للدول الست حاليا نسبة 50% بمقدار 400 مليار دولار، في حين أن الموجودات الإجمالية تصل هي الأخرى إلى حوالي 400 مليار دولار. وبمؤشر آخر، يعادل العجز الحالي 25٪ من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لدول المجلس، وبالتأكيد إذا استمر عمل أنظمة التقاعد بنفس النمط وفي نفس الظروف الديموغرافية، فمن المتوقع أن يتجاوز هذا العجز إجمالي الناتج المحلي للدول الست بحلول العام 2050.

ويقل مستوى العجز التمويلي في صناديق الدول التي تأخرت في إنشاء هيئات التأمين الإجتماعي إلى تسعينيات القرن الماضي وما بعده مثل عمان والإمارات وقطر ويزيد نسبيا لدى الدول الثلاث الأخرى التي كانت سباقة في مجال الحماية الإجتماعية وأسست لها منذ أكثر من 50 أو 40 عاما كالمملكة العربية السعودية ومملكة البحرين والكويت. وقد سعت بعض البلدان مثل الكويت أبان الوفرة المالية من النفط  في العام 2012 لتقليل الفجوة في مستوى تمويل صناديقها التقاعدية بضخ ما مقداره 40 مليار دولار ما جعلها حاليا ضمن الأفضل في مستوى تمويل صناديق التقاعد بنسبة 90%. أما الدول ذات الإحتياطات المالية الأقل، فإن مستوى العجز يمثل تحديا بالغا.

—  ما  هي تكلفة خدمات التقاعد والتي تصل بالعجوزات المالية لهذه الدرجة؟

—–  إن تركيز الحوار الحالي والمناشدات على المنافع التقاعدية وتعزيزها دون النظر إلى المؤشرات الكلية بعيدة المدى لتكلفة هذه المنافع قد يجر بنا إلى عواقب إقتصادية غير حميدة في المستقبل. وإذا ما نظرنا إلى الإحصاءات التي توفرها وزارات المالية والمنظمات الأممية حول القطاع التقاعدي، نرى أنه في العقود الأخيرة (وتماشيا مع زيادة متوسط الأعمار كما أسلفنا) ازداد مستوى الإنفاق على الإعالة العمرية والمعاشات التقاعدية بشكل كبير سواء من حيث القيمة الحقيقية أو كحصة من الناتج المحلي الإجمالي. وتشير الاتجاهات الديموغرافية إلى أن هذه الزيادة سوف تكبر بإستمرار في المستقبل، في الوقت الذي تعاني فيه الوزرات والقطاعات الأخرى من قيود تقشف شديدة في الميزانية والإنفاق. وتشير التوقعات الإكتوارية إلى أنه – حتى مع زيادة سن التقاعد عالميا إلى ما فوق الـ 60 عاما – سيزيد هذا الإنفاق إلى أكثر من 9٪ من الناتج المحلي بحلول العام 2060.

في المملكة المتحدة مثلا، تتوقع الحكومة أن يصل الإنفاق السنوي على المعاشات التقاعدية إلى 169 مليار جنيه إسترليني في العام 2020، بعد أن كان مجموعه 80 مليار في العام 2003. وحتى مع تعديل التضخم، هناك زيادة بنسبة 45٪ في الإنفاق الحقيقي للمعاشات التقاعدية بين عامي 2008 و 2020.

في أيطاليا، بلغ إجمالي الإنفاق السنوي على المعاشات التقاعدية 16.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2015، ويتوقع صندوق النقد الدولي، الذي يفترض حدوث تدهور ديموغرافي أسرع في البلاد ، أن يصل الإنفاق التقاعدي إلى ذروة أعلى من 20٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2040. أما اليونان، فتصل نفقاته الإجمالية على التقاعد ما نسبته 17.5 ٪ من ناتجه المحلي.

في جمهورية مصر العربية الشقيقة ذات الكثافة السكانية العالية بلغ إجالي الإنفاق على معاشات التقاعد للعام الماضي 2017 ما قدره 157،4 مليار جنيه مصري، أي ما يعادل 13% من الموازنة العامة لمصروفات الدولة وحوالي 4% من إجمالي ناتجها المحلي.

وعندنا في مملكة البحرين إذا نظرنا إلى تطور أعداد المتقاعدين الأحياء والأموات (للقطاعين العام والخاص) فقط خلال السنوات الثلاث الأخيرة من 2014 إلى 2017 تجد أن هناك زيادة مضطردة قدرها 36%، أي بمعدل نمو سنوي قدره 12%. وإذا طبقنا مثل هذه الزيادة على موازنة كشوف رواتب المتقاعدين للهيئة بشكل سنوي وأضفنا لها الـ 3% وهي علاوة التضخم للمتقاعدين الحالين (أي 12% زيادة في أعداد المتقاعين الجدد + 3% زيادة سنوية في رواتب المتقاعدين الحاليين) يكون لدينا معدل زيادة سنوية بواقع 15% في المصروف الإجمالي للتقاعد في البحرين، ولك بذلك أن تتخيل الإتجاه الذي تسير إليه تكلفة التقاعد عندنا مستقبلا.

وقد أصبح جليا لكثير من الحكومات بحكم الواقع إن ارتفاع عبىء الإنفاق على التقاعد أخذ يزاحم الإنفاق على الخدمات العامة الحيوية للمجتمع مثل الصحة والتعليم والإسكان وتحسين البنية التحتية. وإضطرت بعض الحكومات إلى الإقتراض لدفع التزامات المعاشات التقاعدية، الأمر الذي يفاقم مستويات الدين العام.

وبشكل عام، فإن الإنفاق الإجمالي على التقاعد في معظم الدول، بما فيها تلك الأكثر إنفاقا على التسلح، هو إما قد بلغ حد الـ 10% من الموازنة العامة لمصروفات الدولة أو في الإتجاه إلى الوصول لهذا المستوى في السنوات القليلة القادمة. في حين أن معدل النمو السنوي في العجوزات الإكتوارية لصناديق التقاعد ذات المزايا المحددة (والتي لا تعلن كثيرا) فإنها تتباين بشكل كبير وتتراوح من %1 إلى 4% تقريبا.

—  هل الأحوال التقاعدية في البحرين سيئة أو وصلت إلى حال إستثنائي؟

—– قد يبدو للناس في البحرين هذه الايام أننا في أزمة كبيرة بسبب التعديلات المقترحة على قانون او مزايا التقاعد. وفي حقيقة الأمر أن مثل هذه التعديلات هي جزء إعتيادي من نقاش مركزي ودائم بين الحكومة والأطراف ذات العلاقة في كثير من المجتمعات المفتوحة في دول العالم. ولو فتشت بين أروقة وزارات المالية ووزارات العمل والبرلمانات والهيئات التنظيمية للتقاعد في تلك الدول لوجدت أن هناك مئات القضايا والإقتراحات المقدمة والمطروحة للنقاش إما بإغلاق صندوق ما أو إجراء تعديلات على مزايا وإلتزامات صندوق آخر أو لتمويل عجز الصناديق أو إنقاد أخرى من الإفلاس أو الضغط لتغيير بعض القوانين والتشريعات المتعلقة بالتقاعد. إن إدارة صناديق التقاعد بطبيعتها عملية ديناميكية، ربما الثابت فيها هو التغيير، لا الجمود. وفي وجهة نظري، لا، لم تصل الأحوال التقاعدية في البحرين إلى حال صعب حتى الآن، لكن قد تكبر تحديات الحل مستقبلا لو تركت دون معالجة.

—   من المسؤول عن تفاقم هذه الازمة؟

—– أنا جديا لا أعتقد أننا في أزمة، ولازالت الأمور بخير وتدار بشكل حريص.

ربما أبدى الكثيرون قلقهم بشأن مستقبلهم التقاعدي وأمنهم المالي وهم معذورون وهذا حال طبيعي وردة فعل متوقعة في أي مجتمع يرى المس أو التغيير فيما يعتبره حقوقا مكتسبة.

وأود ونحن عند هذه النقطة أن أشير إلى أننا نفتقر في بلداننا العربية وبشكل كبير إلى الإعلام التقاعدي والثقافة الاساسية حول التقاعد، وربما كأفراد لا نلتفت إلى التقاعد إلا إذا قررنا يوما أن نتقاعد وقمنا بالإتصال بالهيئة أو زيارتها للإستفسار عن مستحقاتنا وراتبنا التقاعدي. إن معظمنا يتعامل مع البنوك من غير أن يدري

عن كيفية عمل البنوك وحدود مسؤلياتها، ويتعامل مع هيئات التقاعد ولكنه لا يدرك كيفية عملها ودورها وحدودها وإمكاناتها. وربما حان الوقت لهيئات التقاعد الوطنية، ونحن نستشرف مزيدا من التطوير في حقل التقاعد مستقبلا بإذن الله، تخصيص مزيد من الجهد للإعلام التقاعدي بما يخلق مستوى أفضل من التوعية الإجتماعية حول التقاعد والمواضيع المرتبطة به من مبادىء وإتجهات ومؤشرات، بما هو أبعد من التقارير والإحصاءات الفصلية. لأنه مع زيادة الوعي والمعرفة سوف ينخفض مستوى الشعور بالقلق لدى الناس.

—  هل إدارة استثمارات هيئة التقاعد هي سبب تدهور وضياع أموال التقاعد كما ذكر صراحة بعض الكتاب والمعلقين السياسين؟

—–  في إعتقادي الجازم لا ليس كذلك، وإذا كنا نعني بكلمة “تدهور أحوال التقاعد” موضوع العجز الإكتواري فقد أشرت للتو أنه لا تكاد تخلو هيئة تقاعد حكومية، من أمريكا إلى اليابان والصين، تدير صندوقا مشابها لا يوجد لديها عجز إكتواري بعشرات المليارات ولا شركة من الشركات الكبرى ومتعددة الجنسيات تدير صندوق تقاعد بالمزايا المحددة إلا ولديها عجز إكتواري بمئات الملايين أو عشرات المليارات. فهل كل هولاء سيئون في الإستثمار أو فاسدون؟!

سمعنا البعض يركز في إنتقاده للهيئة على الجانب الإستثماري ويذكر مشاريع متعثرة ويشيرون إلى نسب منخفضة جدا للعائد الحالي وآخر يضع مؤشرات أداء دولية للإستثمار (investment performance benchmarks)، لكن معظمها غير دقيقة وغير منطقية. من الطبيعي جدا أن يتعثر إثنان أو ثلاثة أو اربعة مشاريع إستمارية لمحفظة إستثمار تبلغ أصولها 10 مليار دولار أمريكي مستثمرة في عشرات المشاريع والشركات وصناديق الإستثمارات المحلية والإقليمية والعالمية. في عالم الإستثمار لا يوجد شيء مضمون 100% كما لا ينبغي أن يلام من هو قائم على الإستثمار إذا إنخفض عائد إستثمار ما أو مشروع ما، لأنه ما دام إستثمار فإن الإنخفاض والأرتفاع والربح والخسارة أشياء متوقعة، لكن الأهم هي فلسفة الإستثمار المتبعة وتوزيع الأصول بشكل فعال (asset allocation) بما يلائم متطلبات وإلتزامات صناديق الهيئة بالتحديد (asset-liability matching) وتنويع الأخطار وعدم تركيزها لأنها الإستراتيجية الاسلم. وفي إعتقادي شخصيا أن “أصول” التي تدير إستثمارات الهيئة بكوادر غالبيتها بحرينية لها من الخبرة والمعرفة في مجال الإستثمار وإدارة الثروات ما يجعلنا فخورين بها كبحرينيين في مجال التقاعد، وهذا ليس بغريب على البحرين كمركز مالي له تاريخ عريق. وأضيف أيضا أن عملية إدارة الإستثمار هي علم دقيق ومتخصص يتوسع كل يوم  بشكل متسارع وله أداوته الحسابية، والأفضل أن لا يفتي فيه من ليس من أهله.

كما إني لأستغرب أن البعض يلوم هيئة التأمين الإجتماعي ويتهمها بالفساد بمجرد أنها إستثمرت في مبنى جديد وواسع في المنطقة الدبلوماسية وإنتقلت إليه (في بعض الطوابق والبعض الآخر للإستثمار)، وكأنه يريد

للهيئة والتي ربما يصل عدد موظفيها إلى الـ 500 موظف وتخدم جميع المؤسسات والعوائل في البحرين أن تبقى في مبنى صغير يزيد عمره عن الـ 40 سنة، في حين أن جل الوزرات والهيئات الحكومية قد إنتقلت إلى مباني ومقار جديدة خلال الأربعين سنة الماضية. مع العلم أن الهيئة لا زالت تعاني من إزدحام المراجعين

ومكاتب موظفيها حتى في مقرها الجديد، إضافة أن لديها زوارا إقليميين ودوليين كثر من شركات الإستثمار المرموقة ومزودي الخدمات والمستشارين وتحتاج الهيئة أن تمثل صورة مملكة البحرين بصورة معقولة.

—  مع من تقف؟ مع موقف البرلمان أو الشورى؟

—–  في رأيي إنني أقف مع الإثنين، وهذا ليس جوابا دبلوماسيا. إنني أرى في مواقفهما تجاوبا إيجابيا ينفع قضية التقاعد ويمثل مصالح الأطراف المتعددة، الرأي الحكومي والمزاج الشعبي وكذلك موقف إتحاد نقابات العمال الذي أدلى بدلوه هو الآخر كطرف أصيل في سياسات ومزايا الحماية الإجتماعية للعمال. إن الحوار والتفاوض وإمتزاج أراء هذه الأطراف الرئيسية بشكل بناء يراعي حقوق ومكتسبات المتقاعدين والموظفين من جهة، ويراعي الوضع المالي للهيئة وإستدامة صناديقها مستقبلا هو السبيل الكفيل للخروج بنتائج إيجابية في قضية التقاعد الحالية. وحسنا فعل جلالة الملك حفظه الله عندما أمر بإعادة البحث والتأني في مشروع تعديلات قانون التقاعد وأولاءه مزيدا من التشاور بين الأطراف المعنية.

—  ما رأيك في إنتقاد البعض لصفة الإستعجال في تمرير القانون؟

—– نعم، في هذه الجنبة قد يكون لنا لوما وثناءا في الوقت ذاته على القائمين على قانون التقاعد. أما اللوم ونقولها صراحة فإنه بسبب أن هيئة التأمينات الإجتماعية كانت شبه صامتة ومستمرة في عملها لسنين طويلة مع معرفتها التفصيلية بالتحديات المالية للهيئة، ثم وفجأة خرجت على الرأي العام بمشروع تعديل قانون التقاعد بصفة الإستعجال الذي يطلب بشكل رئيسي إعطاء مجلس إدارة الهيئة صلاحية تعديل مزايا التقاعد دون الحاجة إلى الرجوع الى البرلمان أو الحكومة، الأمر الذي إعتبره البعض إسلوبا مباغتا. ربما كان الأجدى أن تقوم الهيئة بعمل (roadshow) بالتدرج لإشراك الأطراف الرئيسية في السلطة التشريعية والفعاليات الإجتماعية والمهنية وتشاركهم بعض المعلومات والحقائق وإتجاهات التعديل المستقبلي من أجل كسب فهمهم مسبقا لصالح هذا المشروع.

وأما الثناء فإني أعترف لو كنت مكانهم وفي نفس موقفهم لأعتمدت نفس الإستراتيجية وهي صفة الإستعجال عند تقديمه للبرلمان (طبعا بعد أخذ فترة من الإعلام والتوعية وإشراك الأطراف الفاعلة). وذلك أنه ببساطة لو تم تقديم المقترح بالإسلوب الإعتيادي وإستغرق إقراره 6 أشهر أو سنة أو أكثر بين قبة السلطة التشريعية والحكومة وظل الناس والرأي العام قلقين على تقاعدهم وعلى إمكانية تخفيض المزايا الحالية لهرع ربما عشرات الألاف للتقديم على التقاعد خلال هذه الأشهر القليلة بما ينهك موازنة وموجودات الهيئة وبما يسبب الإضطراب وعدم الإستقرار في سوق العمل خاصة بسبب خروج أعداد كبيرة من الموظفين البحرينيين.

—  ما هو رأيك في التعديلات المقترحة على قانون التقاعد وهل أنت مع تغيير المزايا؟

—–  من الناحية الفنية البحتة، معظم التعديلات التي ربما كانت مقترحة ومقصودة وراء تقديم القانون الجديد للتقاعد تعتبر أورثودكسية (بمعنى الأكثر إتباعا وتطبيقا) ضمن الصناعة التقاعدية، ولم تكن جديدة أو إستثنائية. وهي تتعلق بتعديل معايير الإستحقاق ضمن صناديق التقاعد الحالية مثل تأخير العمر التقاعدي،

تخفيض معامل الإستحقاق الذي يحسب الراتب التقاعدي على أساسه، النظر في إلغاء أو تغيير الأسس التي تعطى على أساسها علاوة التضخم (الزيادة السنوية)، إلغاء التقاعد المبكر، منع الحصول على راتبين تقاعديين خاصة بالنسبة للذين لم يمولوا تقاعدهم بما يكفي من السنوات كأعضاء البرلمان والشورى والبلديات، إلخ. وفي إعتقادي أن مثل هذه التعديلات هي ضرورية وحتما قادمة إن لم يكن هذا العام فمن المؤكد أنها ستكون في العام القادم أو الذي يليه، لأنه وببساطة ما دمنا نعمل ضمن نظام التقاعد الحالي، فإن المزايا الحالية لا يمكن تحملها وهي بالتالي غير مستدامة بما يكفي. وبالمناسبة أيضا، فإن هذه التعديلات متى ما طبقت فسوف لن تقضي أو تعالج العجز الإكتواري الحالي وإنما تبطىء سرعته لعدد من السنين فقط. والدليل على ذلك أن صناديق التقاعد المشابهة في الدول الغربية وغيرها، والتي لا يوجد لديها تقاعد مبكر وتحسب معامل الإستحقاق السنوي (accrual rate) على أساس منخفض يصل ربما إلى 50% فقط مما تمنحه دول مجلس التعاون لمتقاعديها، لازالت تعاني من العجز الإكتواري.

في المجمل، كلنا حريصون على المزايا الحالية وتعظيمها، ولكننا يجب أن نكون أحرص على إستدامة الضمان الإجتماعي وأمننا المالي للسنوات المقبلة والجيل القادم. وقبل المس بالمزايا الحالية، ينبغي التركيز على ما يعرف من الناحية الفنية بالتشوهات في النظام التقاعدي (distortions) وبالتحديد على الذين يتقاضون أكثر من راتب تقاعدي من الهيئة والذين يتقاضون راتبا تقاعديا دون تمويله بعدد كاف من سنوات المساهمة.  هناك من خرجوا للتقاعد وإستفادوا من المرتب التقاعدي، ليعودوا مباشرة وبعقود جديدة إلى وظائفهم الحكومية أو في الشركات الكبرى (أي إزدواجية الإنتفاع من التقاعد وفرص العمل) في حين وجود ألآلاف العاطلين. وبالمثل، يجب ألا نقع في تشوهات جديدة من وراء التعديلات المقترحة، كأن يخرح أحد المسؤلين ويؤكد أنه لن تمس مزايا المتقاعدين الحاليين. حسنا، وماذا عن العاملين الحاليين والذين ساهم بعضهم بدفع الإشتراكات لمدة 30 و35 سنة وهم بصدد التقاعد قريبا؟ هولاء المشتركين ساهموا ماليا للصندوق ضعف ما ساهم به المتقاعدون الحاليون الذين خرجوا على التقاعد المبكر، ليجدوا أن مزاياهم التقاعدية المتوقعة قد أنتقصت بشكل مفاجىء. ثم إن هناك حديثا عن إلغاء علاوة التضخم أو الزيادة السنوية خاصة للمتقاعدين الجدد، وأنا أجد شيئا من الإجحاف في هذا الجانب. فهناك من تقاعدوا منذ نهاية الثمانينيات وأوائل التسعينيات وحصلوا على هذه الزيادة لمدة 30 أو 25 سنة بما ضاعف رواتبهم التقاعدية إلى ثلاثة أضعاف تقريبا وحصلوا على مزايا من النظام التقاعدي بما يزيد على 10 أضعاف ما ساهمو به ماليا. لذلك فإن المتقاعدين الجدد قد يكونو أولى وأحوج إلى العناية من قبل النظام التقاعدي لأنهم (حتى من الناحية العمرية البحتة) لاتزال لديهم إلتزامات عائلية أكبر ممن هم في الشيخوخة المتقدمة نسبيا، مثل التعليم الجامعي للأبناء وتزويجهم ومساعدتهم في تأسيس السكن، إلخ.  لذلك حسنا فعل جلال الملك حفظه الله عندما أمر

بإجراء مزيد من البحث والدراسة على قانون التقاعد المقترح، وأنا أقترح إشراك فئة الشباب من العاملين والإستماع إلى أرآئهم حول قضايا التقاعد، فهم الممولون الحاليون لصندوق التقاعد، ومن أجل التأكد بأننا حققنا مستويات مقبولة من العدالة الإجتماعية (social equity) ضمن نظام تضامني يعتمد في تمويله ومزاياه على تعاقب الأجيال.

—  كيف تعاملت الدول الأخرى مع ملف الأمن التقاعدي؟

—– بإيجاز، إن موضوع التقاعد لاشك أنه في صميم الشأن المالي والإقتصاد السياسي لكل مجمتمع. ودعني أصارحك بأن الدول التي وصلت حتى اليوم إلى نظام ووضع تقاعدي مريح ومتزن ومستدام للعشرين أو الثلاثين سنة القادمة في مختلف مناطق العالم هي أقل من عدد أصابع اليد.

وإذا ما نظرنا إلى تجربة الدول ورحلتها في مضمار تحسين الأنظمة التقاعدية، نجد أنها جميعا بدأت بنظام المزايا المحددة المطبق عندنا في الدول العربية والذي لازال مطبقا في غالبية دول العالم، رغم تقنينه في الكثير منها. من ناحية مسؤلية التمويل وضمان المزايا، فإن هذا النظام يضع المسؤلية أوالخطر المالي جله على المتكفل بالنظام، دون الفرد. ولما كان هذا النظام يسبب العجوزات المالية الكبيرة ويهدد بافلاس الصناديق، أدخلت العديد من الدول في العقود الأربعة الأخيرة نظاما موازيا يعرف بنظام “المساهمة المحددة” وهو نظام يساهم فيه الموظفون بمبلغ ثابت أو نسبة مئوية من رواتبهم الشهرية في حساب يهدف إلى تمويل تقاعدهم. ويساهم صاحب العمل عمومًا بمقدار يطابق مساهمة الموظف أو بجزء منها ويعتبر ذلك ضمن منافع الموظفين الرئيسية. في هذا النظام، لا يعرف الموظف بالضبط مقدار ما سيحصل عليه في نهاية المطاف عند التقاعد (لأنه لا يوجد شيء مضمون بخلاف مساهماته ومساهمات صاحب العمل) ، حيث أن مستويات المساهمة عبر السنين يمكن أن تتغير، وكذلك عوائد الاستثمار معرضة بشكل طبيعي للإنخفاض أو الإرتفاع دائما. وفي هذا النظام كما هو واضح تقع مسؤلية التقاعد وخطرها المالي على الموظف أو الفرد بشكل أكبر. إن من قام بتصميم هذا النظام أراد إزالة المسؤلية المالية من موازنته والإلقاء بها على الفرد، إذ يمكن القول إننا أمام نظامين متباينيين أو هما على طرفي نقيض من جهة تحمل الخطر المالي.

وقد إستبدل عدد من الدول نظام المزايا المحددة بنظام المساهمة المحددة، إلا أن غالبية الدول أبقت على نظام المزايا المحددة بشكل مقنن (أي لا يزيد سقف راتبه التقاعدي عن الـ %30 إلى 40% تدفع غالبا من الضرائب) وأدخلت عليه نظام المساهمة المحددة كدعامة رئيسية ثانية في بنية التقاعد، وبالإضافة إلى ذلك عملت على بناء دعامة ثالثة وهي الإدخار الشخصي للتقاعد (individual retirement account) ووضعت لها تشريعاتها ومزاياها المالية.  وهذا النموذج ذو الدعامات الثلاث هو الأكثر شيوعا وتبنيا في الدول المتقدمة حاليا، وإن كان هناك دروس وعبر لنجاح وإخفاق هذه الترتيبات التقاعدية خاصة فيما يتعلق بالإنتقال من نظام المزايا المحددة إلى نظام المساهمة المحددة، ونسبة الإلتحاق في النظام الجديد ومقدار الإدخار ونسبته والإستمرار فيه ومدى ملائمته كراتب تقاعدي للموظف فيما بعد.

خبراء التقاعد والإقتصاد أشاروا في المجمل إلى أن الموظف عند تقاعده يحتاج إلى ما يقرب من نسبة 80% من راتبه الذي كان عليه قبل التقاعد (replacement ratio)، ورأوا في ذلك نسبة ملائمة تساعد المتقاعد

على الإحتفاظ إلى حد كبير بمستواه المعيشي وإسلوب حياته ودرجته الإجتماعية التي كان عليها خلال سنوات عمله. وقالوا إن المهم هو أن نحقق هذا الهدف وهذه النسبة من الراتب التقاعدي، بغض النظر عن كيفية هيكلة دعامات التمويل لهذه النسبة بين الدولة والمؤسسة التي توظف المواطن بالاضافة إلى المواطن نفسه.

وفي السنوات المتأخرة، ظهرت أنماط تقاعدية جديدة وهجينة بين نظامي المزايا المحددة والمساهمة المحددة تعتمد على مبدأ تشارك المسؤلية أو الأخطار (shared risk models) تمزج بين حسنات النظامين والإستفادة من تجميع الموجودات والأخطار في سلة واحدة.  كما تم تطوير فكرة نظام المساهمة المحددة نفسه ليكون نظام الطموحات المشتركة (shared ambition plan) ليكون حلا وسطا وأكثر جاذبية بالنسبة لمشاركة الموظفين (بعد عزوف نسبة منهم عن نظام المساهمة المحددة) وكذلك للشركات بسبب التخفيف عليها من التشريعات المتعلقة بأخذ الإحتياطات المالية وتمويل العجوزات الإكتوارية. وضمن هذا النظام، تدفع الشركات المتكفلة بصندوق التقاعد مزايا تقاعدية محددة سلفا ولكن لا تضمنها قانونيا إذا ما كانت هناك عجوزات ناتجة عن عوامل خارجية مثل عوائد الإستثمار وأخطار طول المتوسط العمري للأفراد.

—  إذن هل نفهم من كلامك أن موضوع التقاعد هو قضية متشعبة وأكبر من قدرة جهة واحدة لمعالجته على المستوى الوطني؟

—–  نعم هذه نقطة مهمة جدا. في إعتقادي إن أي حديث عن موضوع التقاعد وإستدامته وعدالته يكون مبتسرا إذا لم نضع في الحسبان سوق العمل (محرك التمويل للأنظمة التقاعدية) من جهة، ومن جهة أخرى شبكة الأمان الإجتماعي (social safety net) على المستوى الوطني والتي يكون التقاعد هو حلقتها الرئيسية ولكن تلك الشبكة تتعدى التقاعد لتشمل فئات المجتمع الأخرى التي ترعاها موازنة الدولة مثل العاطلين ومن ليس لديهم تقاعد، وعوائل الدخل المحدود جدا والأيتام والأرامل وربما صناديق تمويل مشاريع الشباب، إذ أن جميع هولاء يجب أن تشملهم برامج الدعم الإجتماعي وأن الصرف من موازنة الدولة عليهم يعتبرا نوعا من أنواع إعادة توزيع الثروة الوطنية التي يجب أن تشمل الجميع. فهناك عدد من الدول، ومن ضمنها المملكة العربية السعودية الشقيقة مؤخرا، عندما تشرع في تعديل أو إعادة هيكلة خدمات التقاعد بشكل جوهري، فإنها تنظر أولا في الإطار الكلي لشبكة الأمان الإجتماعي بجميع مكوناتها والأطراف التي تعتمد عليها، للتأكد بأن هناك توازن لإستفادة الجميع ومنع إزداجية الإستفادة لطرف على حساب طرف آخر، وأن السياسة العامة لهذه الشبكة متناسقة مع سياسات سوق العمل والتنمية الإجتماعية، وأن تكلفة شبكة الأمان الإجتماعي هذه بمجملها هي في مستوى تحمل موازنة مصروفات الدولة.

أما ما يختص بسوق العمل وسياسات العمل، فأنت لا تستطيع أن تحدد السن التقاعدي أو تسن أو تمنع التقاعد المبكر دون النظر إلى معدلات البطالة أو نسبة النمو السكاني وأعداد الخريجين سنويا. كما أنك لا تستطيع أن تكون، في الوضع البحريني، سخيا في المزايا التقاعدية عندما يكون هناك نموا سلبيا في أعداد المشتركين

الجدد في صندوق التقاعد العام، ونسبة لا تتعدى الـ 1% سنويا في أعداد المشتركين الجدد في صندوق التقاعد الخاص، حسب الإحصاءات المتوفرة.

—   كيف نعالج أزمتنا الحالية وهل هناك فرص لأفق أفضل في المستقبل؟

—–  في وجهة نظري، كي نعالج المسألة معالجة حقيقة وليس أن نرحلها للثلاث أو الأربع سنوات القادمة، يجب أن ننطلق في الحل من المستوى الجزئي إلى المستوى الكلي (from the micro to the macro level). يجب إستثمار هذه الصدمة والإهتمام الرسمي والشعبي والإعلامي بموضوع التقاعد لإحداث إصلاحات عميقة وعصرية لقطاع تقاعدي يعزز الأمان الإجتماعي وينهض بالإقتصاد ولا يفلس بصناديق التقاعد. ربما حان الوقت لبناء وتنظيم قطاع تقاعدي رائد للمنطقة إبتداء من البحرين. وعلى مستوى العالم العربي البحرين معروفة بريادتها في التجديد والإصلاح. نريد مشروعا للتقاعد على غرار تحرير قطاع الإتصالات الذي عرفته البحرين قبل دخول الألفية الجديدة، وبحجم مشروع إصلاحات سوق العمل الذي قاده بنجاح صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمين بعده ببضع سنوات، وبمستوى مشروع إصلاحات القطاع الصحي الذي يقوده معالي الفريق طبيب الشيخ محمد بن عبدالله آل خليفة رئيس المجلس الأعلى للصحة منذ ثلاث سنوات وتم إقراره مؤخرا.

منطقتنا، وبسبب إنخفاض أسعار النفط، تشهد تحولا اقتصاديا مهما وهو تحول متزايد لدور الحكومة من الدور التشغيلي إلى الدور التنظيمي. ويتبع ذلك حاليا موجة من الإصلاحات غير المسبوقة تهدف إلى دفع الاستثمار ومشاركة القطاع الخاص كونه محركا رئيسيا للنمو الاقتصادي المستدام. في رأينا المتواضع، يجب أن يكون القطاع التقاعدي واحدا من أهم الخدمات التي يجب يشملها هذا التحول (بشكل تدريجي ومدروس) بسبب أهميتها الاجتماعية وأثرها الإيجابي على الاقتصادات المحلية. أشكال التحول هذه لمسألة التقاعد قد تبدأ أو تأخذ مستويات متدرجة مثل تحويل بعض المهام لمزودي الخدمات (outsourcing) أو الخصخصة الجزئية لبعض وظائف نظام التقاعد الحكومي أوهيكلة صناعة نشطة للتقاعد الشخصي ووضع التشريعات والمحفزات المناسبة لها، بما يؤمن أرضية وبنية تحية أفضل لمستوى أعلى من خصخصة التقاعد على المدى المتوسط والبعيد.

وقد يقتضي ذلك، على سبيل المثال، إعادة هيكلة القطاع التقاعدي بحيث يشمل ما يلي:

ثالثا – مجلس أعلى للتقاعد معين من الدولة يعمل كجهة تنظيمية ويناط به تطوير السياسة العامة للتقاعد وسن أو إقتراح التشريعات والقوانين التي تسري على تشغيل كل من القطاعين العام والخاص للتقاعد ويشرف على أعمال القطاعين من حيث تنفيذ السياسات والقوانين التي يضعها المجلس، كما يؤسس المجلس لبناء صناعة التقاعد الشخصي ولموظفي الشركات في المملكة ويصدر تراخيص المشغلين بالإشتراك مع مصرف البحرين المركزي.

رابعا – هيئة التأمينات الإجتماعية الحالية وتهتم بتقاعد موظفي الحكومة، وكذلك الموظفين البحرينيين من القطاع الخاص بعد تقنينه إلى سقف معين. ويمكن ضمن إعادة الهيكلة هذه أن تتحول الهيئة ولو بشكل جزئي إلى مزود خدمة للشركات التي ترغب بإسناد مهمة برامج إدخار / تقاعد الموظفين إليها، أي أنها تتحول إلى مركز ربحي (profit centre) ولو بشكل جزئي.

خامسا -مشغلين مرخصين (pension service providers) لبرامج تقاعد الشركات والتقاعد الشخصي يوفرون منتجات التقاعد الخاصة سواء للشركات أو الأفراد، ويتولون تحصيل الإشتراكات، وإدارة الأنظمة، ومهمة الإستثمار، وخدمات الزبان وخدمات التواصل والتوعية بشأن الخطط التقاعدية، وذلك بإشراف ورقابة المجلس الأعلى للتقاعد.